"المقرحي بريء.. المقرحي مدان!
جدل بالصحف البريطانية بشأن مبررات إطلاق سراح المقرحي (الفرنسية)
لقد تأخر كثيرا إطلاق سراح عبد الباسط المقرحي إذ هو بريء والقضية التي اعتقل بسببها مجرد مؤامرة سياسية.. هذه وجهة نظر. بل هو مجرم، وإذا كانت بريطانيا أبرمت صفقة مع ليبيا لإطلاق سراحه فإن رائحة نتنة تفوح من هذه الصفقة.. وهذه وجهة نظر أخرى تتداولها صحف بريطانية اليوم الأحد فيما وصفته إحداها بأنه 'أسبوع جيد لأصحاب نظريات المؤامرة'.
فهل كان المقرحي بالفعل مجرما؟ وما الذي دفع إلى إطلاق سراحه، أهي الرحمة أم الصفقات السياسية التجارية؟
المقرحي بريء
لم يكن يساورني شك -كما هي حال كل مواطني أسكتلندي- في أن ملف طائرة بان آم 103 الأميركية التي تحطمت فوق بلدة لوكربي بأسكتلندا عام 1988 قد طوي مع اعتقال المجرم الليبي والحكم عليه, لكن نظرتي لهذه القضية تغيرت بعد مشاهدتي
بالصدفة لفيلم وثائقي هولندي يتحدث عنها.
'
المقرحي بطبيعة الحال ليس قديسا, بل لديه تاريخ طويل في خدمة المخابرات الليبية, لكنه بريء من تهمة تفجير الطائرة فوق لوكربي
'
غريهام/ذي إندبندنت أون صنداي
هكذا بدأت عضوة البرلمان الأسكتلندي عن الحزب الوطني كريستين غريهام مقالا بصحيفة ذي إندبندنت أون صنداي
تحدثت فيه عن لقاءات مع المقرحي واستقراءات لما أحاط بقضية الحكم عليه قالت إنها أقنعتها ببراءته.
تقول الكاتبة في هذا الإطار إن المقرحي ليس قديسا, بل لديه تاريخ طويل في خدمة المخابرات الليبية, لكنه بريء من تهمة تفجير الطائرة فوق لوكربي, ولنتذكر هنا أن طرادا أميركيا أسقط قبل حادثة لوكربي بخمسة أشهر طائرة نقل إيرانية تقل 290 حاجا, ولم توجه تهمة لأحد في ذلك ناهيك عن محاكمته, رغم أن الحادثة مسجلة بفيلم فيديو.
وتتابع أنه بما أن الطائرة الأميركية التي فجرت فوق لوكربي كانت تقل أفرادا من الجيش الأميركي عائدين إلى بلادهم للاحتفال بعيد ديني, فقد كان من المنطقي عدم توجيه إصبع الاتهام في هذا الحادث لليبيا في المقام الأول, بل ربما لإيران, لكن الظروف كانت تقتضي الإبقاء على طهران بعيدة عن هذه القضية بسبب الصراع الكويتي العراقي, ولهذا سرعان ما لفتت الأنظار عن احتمال تورط سوريا أو إيران في هذا الحادث ووجه الاتهام لليبيا.
وتضيف أن من يشاهد ذلك الفيلم الهولندي الذي يتحدى مصداقية أهم الأدلة ضد المقرحي يصاب بالإحباط، وهذا هو بالفعل ما حصل لعدد ممن شاهدوه بمن فيهم عالم في
الطب الشرعي شارك في تحديد هوية أصحاب الجثث المتناثرة جراء الانفجار، والأب باتريك كيغان الذي نجا رغم قرب إقامته من مكان الانفجار وعدد آخر من الأشخاص, رفضوا كلهم الحكم ضد المقرحي.
وتستطرد الكاتبة في سرد بعض ما جاء في لقاءاتها العديدة التي أجرتها مع المقرحي وما تخللها من نقاش للخيارات المتاحة أمامه, مؤكدة أن ذلك لم يزدها إلا قناعة ببراءته.
وتكشف عن رسالة سربها لها موظف بوزارة العدل البريطانية يقول فيها إن بريطانيا أخبرت المسؤولين الليبيين بشكل واضح أن المقرحي لن يحظى بالرحمة القضائية ما لم يسقط طلب استئناف الحكم الصادر بحقه.
صفقة نتنة
غير أن مايكل بورتيو الذي كان وزيرا بوزارة النقل البريطانية المسؤولة وقت الحادث عن أمن وسلامة المطارات أورد تصورا مناقضا لما ذهبت إليه غريهام، إذ يقول إن رئيسة الوزراء البريطانية في تلك الحقبة مارغريت تاتشر استدعته فور وقوع الحادث وجلسا يتفرجان على الصور الفظيعة التي كانت قنوات التلفزيون تبثها من موقع الحدث.
ويضيف بورتيو في مقال له بصحيفة صنداي تايمز أنهما خمنا أن يكون العمل إرهابيا, مشيرا إلى أن الأيام التي تلت ذلك كانت أحلك ما مر به في حياته المهنية.
'
كل شيء حول لوكربي من وقت الحادثة إلى وقت إطلاق سراح المقرحي ظل يلفه الغموض
'
بورتيو/صنداي تايمز
فقد أُنحي باللائمة فيما حصل على الإجراءات الأمنية المسهلة في المطارات وحاول عدد من الصحفيين خلال أعياد الميلاد ولعدة مرات كشف خروقات أمنية هنا وهناك عبر إخفاء أمتعة مثيرة للشك أو الصعود إلى الطائرة بوصفهم عمال نظافة, وكانوا كلما نجحوا في ذلك يخضعوه لعدد من المقابلات القاسية.
ولتبرير سبب اقتناعه بالعلاقة الليبية بهذا الحادث يقول الكاتب إنه تذكر فور ذكر اسم ليبيا القصف الأميركي الذي تلا اتهام طرابلس بتفجير ناد ليلي يرتاده الجنود الأميركيون ببرلين في عام 1986.
غير أنه يقر بأن كل شيء بشأن لوكربي من وقت الحادثة إلى وقت إطلاق سراح المقرحي ظل يلفه الغموض.
ويورد في هذا الإطار قرار الرئيس الليبي معمر القذافي في تسعينيات القرن الماضي انتهاج سياسة تقارب جديدة مع الغرب, ربما لخشيته من الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة التي حاولت بالفعل قتله في عام 1996.
ويضيف أن القذافي بتعويضه أسر ضحايا حادثة لوكربي وتسليمه المقرحي للمحاكمة ربما قبل الإقرار بالمسؤولية عن هذه الحادثة.
لكن الكاتب يعتقد أيضا أن القذافي ربما رأى أن التضحية بالمقرحي ودفع التعويضات مجرد ثمن مقبول لإنهاء العقوبات الأميركية على بلاده، وقد شفع ذلك بالتخلي عن برامجه الكيميائية والنووية.
غير أن الكاتب يؤكد أنه يشتم رائحة نتنة من الحلقة الأخيرة في هذه القضية, فيشكك في مبرر وزير العدل الأسكتلندي في العفو عن المقرحي, مشيرا إلى صعوده الطائرة وهو يحمل عكازه عوضا عن الاتكاء عليه.
كما يبرز تعبير القذافي عن امتنانه لرئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ووزير خارجيته ديفد ميليباند لدورهما في هذه القضية وقول سيف الإسلام القذافي إن إطلاق السراح جاء ضمن صفقة تجارية.
ويشير إلى أن من شأن هذا على أقل تقدير أن يزعزع الثقة في كون الحكومة البريطانية تصرفت بشكل مستقيم.
أسبوع المؤامرات
وتحت عنوان 'أسبوع جيد لأصحاب نظريات المؤامرة' قالت ذي إندبندنت أون صنداي إن الجدل بشأن إطلاق سراح المقرحي لم يقف عند حد خلال هذا الأسبوع, فمن متحدث عن الرحمة القضائية إلى مشكك في الحكم على المقرحي أصلا، إلى مؤكد لوجود صفقات تجارية سرية لهذه القضية.
غير أن الصحيفة تؤكد أن الأمور ستتضح أكثر إذا قُدر للمقرحي أن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر, إذ ترى أن الكثيرين خاصة في الولايات المتحدة سيقولون إن المصلحة النفعية لا الرحمة الطوعية هي التي دفعت العدالة البريطانية إلى اتخاذ قرارها بإطلاق سراح المقرحي.
المصدر: الصحافة البريطانية"
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0FC0E378-3400-422F-9230-DCD0B5521CE6.htm